الاستقلال الثاني

Publié le par kurt cobain

حقق آباؤنا الاستقلال الأول وسنحقق الاستقلال الثاني

د. منصف المرزوقي

 

إخوتي أخواتي في الوطن المقهور.

يحتفل الدكتاتور ونظامه، وهذا باسمنا جميعا،  بنصف قرن من "الاستقلال"، في الوقت الذي يتميز فيه الوضع العام في بلادنا  بخصائص ثلاث:

 

- أن القطيعة بين النظام والشعب ، لم تكن طيلة الخمسين سنة المنصرمة بمثل هذا العمق ، حيث تقطعت كل سبل الحوار غير المزيف ولم يعد يربط بين الطرفين إلا الخوف والاحتقار وانعدام الثقة .

- أن  المواطنين لم يعرفوا ، حتى إبان  الاستعمار،انتهاكا لكل حقوقهم الفردية  وإذلالا لكرامتهم، وعبثا بمالهم العمومي، واستخفافا بمشاعرهم،  كالذي يجربونه يوميا مع هذا النظام .

- أن استقلالية القرار الوطني في المسائل الاقتصادية أو السياسة الخارجية،  لم يكن يوما بمثل هذا الفراغ  خاصة وأن  استقواء  السلطة بالخارج للبقاء في الحكم  بأي ثمن،  فوّت في ما بقي منها من فتات.

 

هكذا لا تعرف  تونس دولة وشعبا  من  الاستقلال إلا ما يعرفه الجائع من شواء لذيذ حكم عليه بأن يشم رائحته ولا يذوقه.... فلا الدولة مستقلة عن الاستبداد الخارجي.... ولا الشعب مستقل عن الاستبداد الداخلي...كل هذا  أساسا بسبب وقوع دولة عريقة ومجتمع متحضر في قبضة نظام  صادر التاريخ وصادر الوطن والوطنية وصادر الدولة لحماية مصالح خسيسة وأصبح قوة احتلال داخلي يراقب ويحاصر شعبا أعزل  يغرق في مزيد من البؤس المادي والمعنوي والروحي .

 

وتجاه هذا الوضع الذي سيتفاقم يوما بعد يوم ، في ظل نظام همه الأوحد الحفاظ على حق الدكتاتور في السلطة مدى الحياة وحق عائلاته  في النهب والسلب ، لا خيار للتونسيين والتونسيات إلا بين الموت البطيء وبين هبّة شعبية سلمية تعيد لهذا الجيل حقه في  الكرامة  وللجيل الجديد حقه في المستقبل.

 

وإذا استثنينا المرضى والشيوخ والأطفال ،وكل من أثقلت الحياة كاهلهم بصفة تجعلهم عاجزين عن الانخراط في الشأن العام ومعذورين في ذلك ، فإن على  بقية التونسيين والتونسيات ،أي ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص، تحمّل مسؤوليتهم  كاملة تجاه وطن مشترك .فلا يجوز اليوم  لأي تونسي وتونسية ، له الحد الأدنى من عزة النفس وبقيت في روحه أصداء لقيم العروبة والإسلام ، البقاء على هامش الصراع ضد الدكتاتورية و انتظار الحرية والعدالة والكرامة على طبق من ذهب من معارضة فعلت ما في وسعها، ومع هذا تتعرض للوم  والنقد من قبل الجالسين على الربوة.

 

لقد وصلت هذه المعارضة  حدودها القصوى ولا مستقبل لها إن لم يتجنّد معها الثلاثة ملايين من بقية المسئولين عن تونس . ليكن واضحا للجميع أن تواصل السلبية والانتظار وتحميل القلة المناضلة مسؤولية تحرير تونس سيجعل  هذه الدكتاتورية تستفحل وتتغول أكثر فأكثر وتسلمنا قريبا  كقطيع من البقر إلى وريث جديد يبرز علينا من تحالف للبوليس السياسي والعصابات الفاسدة ليتراكم  الخراب على الخراب.

 

ولا خروج اليوم من هذا المسار الرهيب إلا بعودة الروح للملايين الذين تخلوا عن أمهم تونس وهي بأمس الحاجة إليهم. لا خيار غير المقاومة الديمقراطية كما فعل آباؤنا وأجدادنا يوم نظموا المقاومة الوطنية.

 

أما الأهداف التي يتوقف على تحقيقها نجاة الوطن فهي أربعة : السيادة الفعلية  للشعب عبر الانتخابات الحرة والنزيهة ، الكرامة للمواطن عبر نهاية السلطة بالتخويف ، الشرعية والهيبة للدولة عبر عودة الشرطة والقضاء والإدارة لوظائفها في حماية المجتمع من الجريمة المنظمة وليس العكس، استرجاع الأموال المنهوبة وإنهاء الفساد في المال العمومي  لتوفير العمل للشباب و لقمة العيش للجميع.

 

إنه الاستقلال الثاني الذي وضع  علينا التاريخ مسئولية تحقيقه ، نتدارك به نقائص الاستقلال الأول ونحقق وعوده التي خانها الانحراف نحو التسلط الشخصي والحزبي .فإلى مسؤوليتكم التاريخية جميعا ، إلى النضال في شوارع المدن والقرى وفي ساحات الجامعات والمصانع حتى  زوال  نظام الفساد والتزييف والقمع وبزوغ شمس الحرية والكرامة على تونس الخالدة .

 

19 مارس 2006

 

Publié dans tunisie

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article