يا حماة الحمى !

Publié le par kurt cobain

يا حماة الحمى !
منصف المرزوقي
الاثنين 29 أيار (مايو) 2006.
 
لم يعد من الممكن لأي تونسي وتونسية ، أمام تسارع الأحداث التي نعيش على وقعها منذ أشهر التنصل من مسئوليته(ها) بخصوص تفاقم الأزمة التي تعيشها تونس على مستوى المجتمع و النظام والمعارضة.

فعلى صعيد المجتمع ،نشهد حالة من التفسّخ والتعفّن والتحلّل والتميّع والتجهيل والتفقير وفقدان القيم، لم يسبق لها مثيل في تاريخنا الحديث، أدت بالأغلبية لليأس والإحباط والسلبية والاستقالة واللامبالاة ... في الوقت الذي يلوذ فيه طرف بتديّن سطحي مستجيرا بالعادل الذي في السماء هربا من مواجهة الظالم الذي على الأرض ... بينما يلجأ طرفه المقابل إلى الجريمة والمخدرات والدعارة ،هده المظاهر التي تتكاثر يوما بعد يوم مؤكدة استفحال الخراب الروحي والأخلاقي .

كل هذا بسبب سياسة متواصلة منذ قرابة العقدين قوامها القهر والإذلال والظلم والمحاباة والترويع وتزييف القيم واللغة والمؤسسات ، يمارسها بكل صفاقة نظام نواته الصلبة تحالف عصابات حق عام مكانها وراء القضبان في أي بلد يحكمه القانون، وجزء من البوليس مهمته حماية الجريمة المنظمة من المجتمع وليس حماية المجتمع من الجريمة المنظمة.

وهذا النظام الذي استولى على دولة خير الدين ، و الذي تسيره اليوم زعيمة عصابة الطرابلسي ليلي بن علي ،ورجلها في جهاز القمع محمد على القنزوعي، وعراب السوء والشر منذ بداية العهد اللعين المدعو عبد العزيز بن ضياء، قرّر خلع كل الأقنعة ليضع التونسيين والتونسيات أمام أحد خيارين: الاستسلام غير المشروط أو التمرّد. فأهم ما تتسم به موجة القمع الحالية أنها تخلت حتى عن خطاب التضليل حول الإصلاح مستهدفة كل المؤسسات والشخصيات التي تدعو له.

لكن أزمة المجتمع وتغوّل النظام ، لا تفهم بمعزل عن أزمة معارضة أقل ما يقال فيها أنها كانت ولا تزال تحت الحدّ الأدنى من المستوى المطلوب. إن الخلل الرئيسي في نضالنا ضد الدكتاتورية هو أن الجبهة الوحيدة التي اشتغلت كل هذه السنين هي الحقوقية بعد أن انقلبت حتى الأحزاب السياسية إلى منظمات حقوق إنسان تطالب بحرية الرأي وحرية التعبير والعفو التشريعي العام ، تمني نفسها بقدوم الإصلاح عاجلا أو آجلا، مترصدة كل موعد انتخابي لتشارك في مهرجان تزييف مفضوح ومضفية بهذا شرعية على عملية سلب مفضوحة لسيادة الشعب . فعوض أن تتقدم كبديل وتناضل لإسقاط الدكتاتورية ، اكتفت بحراك حقوقي مبني على الشجب والمطالبة والتوجه لمنظمات حقوق الإنسان الدولية ولوسائل الإعلام لتشهد على الظلم راجية الخلاص من تدخل بوش والبرلمان الأوروبي، لا من الشعب الذي تتجاهله.

إن آخر من يطعن في أهمية النضال الحقوقي ،أو في قيمة التضحيات الجسام التي تحمّلها عدد كبير من خيرة رجالات تونس ونسائها، هو كاتب هذه السطور الذي كان له شرف ترأس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات في أصعب فترات النضال والذي سخّر قلمه ربع قرن لغرس قيم حقوق الإنسان في الثقافة العربية الإسلامية .

لكن نظاما كالذي سلطه على دولتنا وشعبنا حادث مرور تاريخي، أثبت قدرته على امتصاص كل احتجاجات حركة حقوقية لا تجادل في شرعية بقاءه بل تتوجه إليه وكأن الشعار " وداوني بالتي كانت هي الداء" .

و عوض أن تروض سياسة التهدئة والاعتدال والتنازلات التي اعتمدتها هذه المعارضة الغريبة ، رأيناها على العكس ،لا تزيد النظام إلا غطرسة وتطرفا ومواصلة في نهج الفساد والتزييف والقمع.

ومما زاد الطين بلة سطوة مطلب وحدة المعارضة وهي كلمة حق أريد بها ألف باطل، فهي لا تعني في آخر المطاف سواء إرضاء حفنة من الأشخاص و رضاهم عن بعضهم البعض، وهو أمر باستحالة تربيع الدائرة ، حيث لا همّ لأي منهم إلا منع قيام معارضة متحدة ليس هو زعيمها . لذلك أصبح بناء أي وحدة غير ممكن إلا على الأهداف الدنيا، والوسائل الأضعف، والخطى الأثقل، والطريق الأطول، واستحالة إفراز أي قيادة سياسية تتصدى بفعالية للطغيان. هكذا أصبحت المعارضة جزءا من المشكل لا جزءا من الحلّ.

ومن ثمة فإنه.. اعتبارا لطبيعة نظام متعجرف ، جاهل ومتطرف غير قابل لأي نوع من الإصلاح ولا يفهم لكلمة المصالحة معنىإلا مزيفا ، واعتبار للخراب الخطير الذي ألحقه بالدولة والمجتمع... فإنه لم يعد مجال للتسويف بخصوص ما يتطلبه الوضع .

فإذا أردنا فعلا لليل أن ينجلي، لا حلّ غير مواصلة الحراك على الجبهة الحقوقية، لكن مع استنهاض الجبهة الاجتماعية التي تدب الحياة فيها مجددا ، وخاصة فتح جبهة سياسية تضطلع بالدور المناط بعهدة كل حركة سياسية جديرة بهذا الاسم .

مثل هذا الدور الذي تفرضه المرحلة ومتطلبات الوطن ، لا يكون خارج جعل سقوط الدكتاتورية هدفا أوحدا والعمل على تحقيقه لبناء الجمهورية والنظام الديمقراطي على أنقاضها. وإن تطلب الأمر فلتنقسم معارضة، مشلولة ومفككة في كل الحالات، إلى شق يواصل السياسة التي يؤمن بجدواها ،وشق يربأ بنفسه عن أي مهاترة مع من ارتضوا حلا غير ما يدعو إليه، ليتنظّم كجبهة مقاومة ديمقراطية تتشكل خارج وفوق الأطر الحزبية القديمة، تفتح ذراعيها للقيادات الشابة والميدانية ،تتقدم للشعب ببرنامج واضح لفترة المعركة من أجل الاستقلال الثاني ولبرنامجها السياسي بعد سقوط الدكتاتورية ، تفرز قيادة ديمقراطية لها ناطق رسمي يمثلها لتنسق المظاهرات والاضرابات و كل وسائل النضال السلمي الممكنة وصولا إلى العصيان المدني.

كل هذا إلى أن ينجلي الليل وينكسر القيد. فإلى دوركم التاريخي يا شيب و شباب تونس ... لا تتركوا أسوأ ما في المجتمع ينكل بأحسن ما فيه...لا تسمحوا لحفنة من المجرمين بارتهان مستقبل أطفالنا...أمكم تونس تستغيث بكم ...لا تتركوا عصابات الشر والسوء تواصل استباحتها وأنتم تنظرون أو تنتظرون.

Publié dans tunisie

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article