سبعة ساعات

إذا مررت أمام المقر المركزي لحزبي، وهو الحزب القانوني المرخص له، لن أفاجأ بوجود الشرطة السياسية تضرب طوقا أمنيا حوله لان هذا المشهد بات مألوفا واصبح تقليدا، أسس ولا يزال لتعددية الواجهات التي تتبعها السلطة، ولو سولت لي نفس الدخول للمقر فلن يقلقني صوت الشرطي وهو يقول " ممنوع " – لماذا ؟ - التعليمات لان الحكمة في بلادنا والتي لا يعلم أسرارها إلا أهل الفطنة عطلت القانون وأفرغت الدستور من مبادئه التحررية وعوضت بقانون " التعليمات " لتحول المجتمع بمرمته إلى مؤسسة أمنية. ولما كنت مواطنا مستوفي شروط المواطنة تمسكت بصفتي المدنية وبحقّي في دخول مقرات الأحزاب السياسية فلن اغضب إذا ما تخيروا لي من معاني الشتم أدقها ومن مصطلحات القذف والسبب أقذعها ولن انزعج أن امسكوني من خصري أو من أعلى قميصي ولن استشيط غضبا لو انهالوا علي لطما وضربا وسحبوني أرضا في الطريق العام على مرأى ومسمع من المارة، لان في ذلك توصيفا واقعيا لمعنى المواطنة وحقوق الإنسان بمواصفات السلطة في تونس.

وإذا أركبوني سيارة خاصة علي أن أتتنازل تلقائيا عن حقي في السؤال عن وجهتي ومقصدي حتى اصل منطقة الأمن بنهج ابن خلدون التي تهيأت كما يجب أن يكون لاستقبالنا ولالتقي باخوة ورفاقا لا اعرفهم لنتعلم دروسا نظرية وتطبيقية في العدل والمساواة حسب أصول المدرسة التونسية في الضرب واللطم والشتم الاستنقاص من الذات البشرية ... كل الموقوفين سواسية في ذلك بقطع النظر عن سنهم وشغلهم وأصلهم وانتمائهم السياسي أو العقادي . سبع ساعات تقاسمنا فيها آلام الضرب و مرارة الإهانة وسوء المعاملة وظلمة المكان وطول الانتظار وعلبة السجائر الوحيدة التي لدينا ...

عفوا لمن تبادر إلى ذهنه آن هذا الحديث من نسج الخيال أو مدخل لقصة قصيرة أو رواية سياسية تؤرّخ لفترة مضت وانقضت لان ما قلته وما لم اقله لا يعدو أن يكون سوى ما جرى يوم الجمعة 17 مارس عند الساعة الواحدة والنصف لما هممت بدخول المقر المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي بعد انتهاء التجمع العام الذي دعت إليه هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات والذي واجهته السلطة بقمع كبير قبل 3 أيام من احتفالاتها بمرور خمسين على إعلان الاستقلال .

رياض لحوار